2 قراءة دقيقة
المنازعات التجارية الناشئة عن عقود التوريد

المقدمة: 

بداية فإن عقد التوريد من العقود الحديثة نسبيا شرعت بغرض رفع الحرج والمشقة عن الناس وتيسير أمور حياتهم وبما أن الناس في حاجة مستمرة للتطور ليستطيعوا مواكبة تقدم الحياة والحركة التجارية التي بلغت ذروتها في هذه الأيام، لذا يحتاج الناس الى أن يتعاقدوا مع بعضهم البعض والدخول في اتفاقات وعقود لتسهيل معاملاتهم التجارية وحركة نشاطهم المستمر ليتبادلو سلعهم وحاجياتهم، مما أدى إلى تنوع العقود والاتفاقيات بحسب الهدف والغرض الذي يقصده المتعاقدان، وتطورها وتداخلها أحيانًا لتحقيق المصلحة والعدالة فيما بينهم. ولقد قامت الدول ومنها المملكة العربية السعودية بوضع أحكام ومبادئ لكل من هذه العقود، وتوضيح الالتزامات وحقوق كل طرف من طرفي العقد أو الاتفاقية، لتحقق المساواة والعدالة بين الناس وأدرجت ضمن قائمة العقود المسماة أو العقود الزمنية.

وقد سبقت الشريعة الإسلامية كل القوانين الوضعية في بيان العقود المختلفة وتفصيل أحكامها وشروطها، وبيان مواصفاتها، متحللة من الجمود ومن كل الشكليات التي رافقت العقود في الأنظمة والقوانين التي وضعها البشر، لأن الله تعالى أنزل الشريعة لتحقيق مصالح الناس وإقامة العدل بينهم، وجلب المنافع، ودفع المفاسد والأذى والضرر عنهم، فشرع البيع والإجارة وغيرها وحرم كل ما يؤدي إلى الاختلاف والنزاع والفساد والظلم، ومن هذه العقود الهامة التي شاعت بين الناس، وزادت حاجتهم إليها ما يعرف ِ ب "عقد التوريد" فهو من العقود المسماة في القوانين المدنية، إذ نظمت القوانين المدنية في أغلب الدول العربية والإسلامية أحكامه، وقد زادت أهمية هذا البحث لصلته الوثيقة بالحياة العملية، ولا سيما إن المجتمع العربي والإسلامي في جملته مجتمعاً استهلاكياً وليس صناعياً؛ مما يدفعها إلى استيراد ما توصل إليه العالم الصناعي من تقنيات صناعية عالية، أو استصناعها ، كالآلات والمعدات الحديثة؛ لأهميتها الاقتصادية والعلمية، ودورها الكبير في تقديم خدمات الصحة والتعليم والدفاع وغير ذلك مما تتوقف عليه الحفاظ على مصالح الأمة، كما أن عقود التوريد قد تكون عقوداً عامة، وقد تكون عقوداً خاصة يعقدها الافراد أو الشركات. إذ كثرت عقود التوريد وتنوعت لحاجة الناس إليها، كتوريد اللوازم للمستشفيات والمدارس، و َ كُثرَتْ الصناعات التي يحتاجها الناس، فكثر العاملون في التوريد لذلك وجب دراستها بشيء من التفصيل مع بيان تعريفه واركانه وخصائصه وشروطه والمنازعات الناشئة عن عقود التوريد وطرق حلها وذلك فيما يلي:

مفهوم عقود التوريد: لمعرفة عقود التوريد يجب تعريفها لغة واصطلاحا 

تعريف عقد التوريد في اللغة: التوريد لغة: مصدر ورّد بتشديد الراء قال أبو الحسن أحمد بن فارس: الواو والراء والدال أصلان: أحدهما: الموافاة إلى الشيء والثاني: لون من الألوان  وقال الجواهري، اسماعيل بن حماد: وَرَدَ فلان ورودًا: حَضَرَ. وأورَدهُ غيرُه واستوَرَدَهُ، أي أحضره  ويقال: أورد فلان الشيء أحضره، واستورد السلعة ونحوها: جلبها من خارج البلد.

ومن خلال المعاني اللغوية للتوريد، ذكر القول إن العنصر الجوهري في التوريد هو عمل المورد والمتمثل في إحضار وتقديم السلعة أو الخدمة إلى المورد إليه، ومن هنا جاءت التسمية، لأن السلعة الموردة أو الخدمة، تكون تابعة للعمل الذي يقوم به المورد، ولهذا سمي عقد التوريد بهذا الاسم من باب تسمية الشيء بأَبرز ما فيه.

تعريف عقد التوريد في الاصطلاح: 

يعتبر عقد التوريد من العقود المعاصرة التي لم يبحثها الفقهاء المتقدمون، وكانت أكثر تطبيقاته في العقود الإدارية؛ ولذلك كانت أكثر تعريفات الباحثين لعقد التوريد تتناوله على أنه من العقود الإدارية، فقد نقل الطماوي تعريف محكمة القضاء الإداري في مصر لعقد التوريد بأنه:"اتفاق بين شخص معنوي من أشخاص القانون العام وبين فرد أو شركة، يتعهد بمقتضاه الفرد أو الشركة بتوريد منقولات معينة للشخص المعنوي لازمة لمرفق عام مقابل ثمن معين" 

ويؤخذ على هذا التعريف:

1)     انه قصر عقد التوريد على ما كان أحد طرفيه شخصًا معنويًا من أشخاص القانون العام مع أن عقد التوريد قد يكون عقدًا خاص او بين الأفراد، أو بين الأفراد والشركات الخاصة، أو بين الشركات الخاصة فيما بينهما.

2)    كما يمكن أن يؤخذ عليه أيضا ما فيه من دور؛ فقد جاء في التعريف كلمة "توريد" فتوقف فهم التعريف على فهم المعرف فلزم الدور وهو من أكبر عيوب التعريف.

ووردت تعريفات كثيرة عن عقد التوريد في الاصطلاح، فنشير هنا إلى أهم التعاريف: 

1/ تعريف القاضي محمد تقي العثماني: فإن عقد التوريد عبارة عن اتفاقية بين الجهة المشترية والجهة البائعة، على أن الجهة البائعة تورد إلى الجهة المشترية سلعًا أو مواد محددة الأصناف في تواريخ مستقلة معينة لقاء ثمن معلوم متفق عليه بين الطرفين وبما أن الاتفاقية تنص على أن الجهة البائعة تسلم المبيع من تاريخ لاحق، وأن الجهة المشترية تدفع الثمن بعد التسليم، فالبدلان في هذه الاتفاقية مؤجلان، وإنما تحتاج المؤسسات التجارية إلى مثل هذه العقود ليمكن لها تخطيط نشاطاتها التجارية فإن ذلك لا يتيسر إلا بالتزام تعاقدي غير قابل للنقض يتم به الحصول على المواد الخام أو المواد المطلوبة الأخرى في أوقات محددة في المستقبل. وبما أن البدلين في العقد مؤجل كلاهما فقد يتشكل هذا العقد من الناحية الشرعية بأنه بيع كالئ بكالئ أو أنه بيع ما لا يملكه الإنسان. ومن هذه الناحية يجب دراسة هذا الموضوع بدقة ، فإن كان محل عقد التوريد شيئًا يحتاج إلى صناعة، فيمكن تكييفه على أساس الإستصناع، وقد صدر قرار من مجمع الفقه بجوازه ، وبعد بيان مفهوم عقد التوريد لغة واصطلاحا نلج لمعرفة أقسام عقد التوريد.

2/ عرف الدكتور المصري عقد التوريد بأنه: " عقد بين جهة إدارية عامة (أو جهة خاصة) ومنشأة (خاصة أو عامة)، على توريد أصناف محددة الأوصاف، في تواريخ معينة لهاء ثم معين، يُدفع على نجوم"  

ويؤخذ على هذا التعريف: 

1)    أنه حصر عقد التوريد فيما كان منجمًا على دفعات وعقد التوريد يمكن أن يكون منجزًا على دفعة واحدة. مثال ذلك: ما لو تعاقدت مؤسسة مع شركة استيراد أجهزة حاسوب على توريد مائة جهام حاسوب بأوصاف معينة دفعة واحدة.

2)    ويؤخذ على هذا التعريف: أنه لم يشمل ما يكون فيه التوريد منجزًا دفعة واحدة، بإيراد عبارة: (بصفة دورية).

بعد دراسة مفهوم عقد التوريد ومعرفة التوريد لغة واصطلاحا نلج لدراسة اركان عقد التوريد.


أركان عقد التوريد: يتلخص أركان عقد التوريد في أربعة اركان العاقدان (المورد والمستورد) والصيغة والمعقود عليه.

الركن الأول: المورد: وهو الطرف الأول او العاقد الأول وهو من يتعهد بإحضار السلع المعقود عليها وتمليكها المستورد ويتملك الثمن (البائع).

الركن الثاني: المستورد: وهو الطرف الثاني أو العاقد الثاني وهو من يتملك السلع المستوردة في مقابل العوض الذي يبذله(المشتري).

الركن الثالث: الصيغة: وهي التعبير الصادر من العاقدين، المفيد معنى التملك والتمليك، ويسمى عند الفقهاء الإيجاب والقبول ولابد من وضوح دلالة الصيغة على مراد العاقدين بما لا يدع مجالاً لسوء الفهم أو الشك.

الركن الرابع: المعهود عليه: ويُراد به البدلان في عقد التوريد وهما:

أ- السلعة التي أبرم العقد لتوريدها غذائية أو دوائية أو صناعية من أثاثٍ وملبوسات وأدوات وآلات ونحو ذلك، وقد يشترط المستورد في هذه السلعة العمل.

ب-العوض الذي يدفعه المستورد لقاء ذلك.

ولا بد أن يكون كلاهما معلوماً علمًا نافيًا للجهالة المفضية للنزاع، بأن يوصف وصفاً دقيقا منضبطا.

 وبعد المامنا التام بأركان عقد التوريد نلج لدراسة اقسام عقد التوريد.


أقسام عقد التوريد: الملاحظ أن عقد التوريد تتعدد أقسامها باعتبارات متعددة منها حسب طبيعة العقد وباعتبار موضوع العقد، ونتناول ذلك تباعا.

تقسم عقود التوريد باعتبار طبيعة العقد الي عدة أقسام منها:

(1) عقود التوريد الإدارية: وهي تلك العقود التي يكون أحد طرفيها جهة إدارية حكومية، وموضوع هذه العقود يتعلق بمصلحة المرافق الحكومية العامة، كتوريد الملابس للعسكريين والمرضى والرياضيين من موظفي الحكومة، وتوريد الأطعمة لمؤسسات الجيش والمستشفيات الحكومية، وتوريد المفروشات كالمكاتب والمقاعد، والأدوات المكتبية كأجهزة الحاسوب وغيرها للدوائر الحكومية.

(2) عقود التوريد الخاصة: وهي العقود التي لا تكون أية جهة إدارية حكومية طرفاً فيها، وانما الطرفان فيها من الافراد أو الشركات الخاصة كتوريد أثاث مدرسي من قبل شركة خاصة لمدرسة خاصة غير حكومية، وتوريد أدوية لمستشفى خاص غير حكومي والمورد شركة خاصة وغيرها.

وتقسم عقود التوريد باعتبار موضوع العقد الى عدة أقسام منها:

(1) عقود التوريد العادية: وهي العقود التي موضوعها عبارة عن منقولات تم الاتفاق على مواصفاتها، ويكون المورد حرا في اختيار المصدر الذي يحصل من خلاله على هذه المنقولات وقد تكون هذه العقود خاصة أو إدارية.

(2) عقود التوريد الصناعية: وهي العقود التي يكون موضوعها عبارة عن تسليم منقولات يصنعها المورد ومنها ما يكون خاصاً، ومنها ما يكون إدارياً تملك الإدارة حرية كبيرة في التدخل أثناء تصنيع واعداد هذه المنقولات وعقود التوريد الصناعية يتردد تصنيفها بين عقود توريد أو مقاولات استصناع، ومن أمثلتها: الاتفاق مع مصنع أثاث لتصنيع أنواع من الأثاث بمواصفات معينة يقوم بتوريدها لجهة إدارية أو خاصة.

المنازعات التجارية الناشئة عن عقود التوريد:

عقود التوريد كغيرها من العقود ينشأ حولها الكثير من المنازعات التي تنشأ عن عدم فهم بنود العقد او تفسير خاطئ للعقد او عدم التزام طرف من أطراف العقد (المورد او المستورد) بالوفاء بتلك الالتزامات ويعتبر تلك المنازعات منازعات تجارية وبما أن أهم عنصري العمل التجاري السرعة والائتمان، كما يقترن البحث عن عقود التوريد بالبحث عن المناقصات والمناقصة: " هي طريقة تستهدف اختيار من يتقدم بأقل عطاء في توفير سلعة معينة موجودة عند المناقص وقادر على احضارها عند موعد الاستحقاق وبالشروط والمواصفات المطلوبة"  و وضعت نظام المنافسات والمشتريات الحكومية  لسنة1427مـ  بالمرسوم الملكي رقم م/58 بتاريخ 4 / 9 / 1427وقرار مجلس الوزراء رقم 223 بتاريخ 2 / 9 / 1427 ضوابط المنافسة للمشتريات الحكومية حفاظا للمال العام حيث نصت المادة الأولى منه على أهداف النظام بالنص : " يهدف هذا النظام إلى:

أ - تنظيم إجراءات المنافسات والمشتريات التي تقوم بها الجهات الحكومية ومنع تأثير المصالح الشخصية فيها، وذلك حماية للمال العام.

ب - تحقيق أقصى درجات الكفاية الاقتصادية للحصول على المشتريات الحكومية وتنفيذ مشروعاتها بأسعار تنافسية عادلة.

ج - تعزيز النزاهة والمنافسة، وتوفير معاملة عادلة للمتعهدين والمقاولين؛ تحقيقًا لمبدأ تكافؤ الفرص.

د - تحقيق الشفافية في جميع مراحل إجراءات المنافسات والمشتريات الحكومية. 

ونصت المادة الحادية والستون على الضمان وطريقة التعاقد حيث نصت المادة: " 1- يجب على من تتم الترسية عليه تقديم ضمان نهائي بنسبة (5%) من قيمة العقد، وذلك خلال (خمسة عشر) يوم عمل من تاريخ إبلاغه بالترسية. ويجوز للجهة الحكومية تمديد هذه المدة لمدة مماثلة. وإن تأخر عن ذلك فلا يُعاد إليه الضمان الابتدائي، ويتم التفاوض مع العرض الذي يليه، وفقاً لأحكام النظام، ويجوز زيادة نسبة الضمان بعد موافقة الوزير.

2- يلتزم صاحب العرض -إذا كان من المنشآت الصغيرة والمتوسطة المحلية- بدفع غرامة مالية إلى الجهة الحكومية تساوي قيمة الضمان الابتدائي، وذلك إذا قام بسحب عرضه قبل انتهاء مدة سريان العروض، أو إذا لم يقدم الضمان النهائي في حال تمت الترسية عليه. وفي حال مرور (ستين) يوماً من تاريخ سحب عرضه، أو من تاريخ انتهاء مهلة تقديم الضمان النهائي دون أن يقوم بدفع الغرامة المالية المقررة؛ يعاقب بمنعه من التعامل مع الجهات الحكومية لمدة سنة.

3- لا يلزم تقديم الضمان النهائي في الحالات الآتية:

أ- إذا كانت قيمة الأعمال والمشتريات لا تتجاوز (مائة ألف) ريال.

ب- التعاقد بين الجهات الحكومية.

ج- التعاقد مع مؤسسة أو جمعية أهلية أو كيان غير هادف إلى الربح.

د- التعاقد مع الشركات التي تملك الدولة فيها نسبة لا تقل عن (51%) من رأس مالها.

هـ- إذا قام المتعاقد معه بتوريد جميع الأصناف التي رسا عليه توريدها، وقبلتها الجهة الحكومية نهائيًا خلال المدة المحددة لإيداع الضمان النهائي، أو قام بتوريد جزء منها وقُبِل هذا الجزء وكان ثمنه يكفي لتغطية قيمة الضمان النهائي، على ألا يصرف ما يغطي قيمة الضمان إلا بعد تنفيذ المتعاقد معه التزامه.

و- إذا كُلف المتعاقد بأعمال إضافية. 

4- يجب الاحتفاظ بالضمان النهائي إلى أن يفي المتعاقد معه بالتزاماته ويستلم المشروع استلاماً نهائياً، وفقاً لأحكام العقد وشروطه.

ونصت المادة السادسة والسبعون من نظام المنافسات والمشتريات الحكومية على حالات انهاء العقد: " 1- يجب على الجهة الحكومية إنهاء العقد في الحالات الآتية:

أ- إذا تبين أن المتعاقد معه قد شرع -بنفسه أو بوساطة غيره بطريق مباشر أو غير مباشر- في رشوة أحد موظفي الجهات الخاضعة لأحكام النظام أو حصل على العقد عن طريق الرشوة أو الغش أو التحايل أو التزوير أو التلاعب أو مارس أيًا من ذلك أثناء تنفيذه للعقد.

ب- إذا أفلس المتعاقد معه، أو طلب إشهار إفلاسه، أو ثبت إعساره، أو صدر أمر بوضعه تحت الحراسة، أو كان شركة وجرى حلها أو تصفيتها.

ج- إذا تنازل المتعاقد معه عن العقد دون موافقة مكتوبة من الجهة الحكومية والوزارة.

2- يجوز للجهة الحكومية إنهاء العقد في الحالات التالية:

أ- إذا تأخر المتعاقد معه عن البدء في العمل، أو تباطأ في تنفيذه، أو أخلّ بأي شرط من شروط العقد ولم يصحح أوضاعه خلال (خمسة عشر) يوماً من تاريخ إبلاغه كتابة بذلك.

ب- إذا توفي المتعاقد معه. وفي هذه الحالة ينهى العقد وتسوى المستحقات وتعاد الضمانات. 

وللجهة الحكومية الاستمرار في التعاقد مع الورثة -بعد موافقتهم- على أن يتوافر لديهم المؤهلات الفنية والضمانات اللازمة لإكمال تنفيذ العقد.

ج- إذا تعاقد المتعاقد معه لتنفيذ العقد من الباطن دون موافقة مكتوبة من الجهة الحكومية.

3- يجوز في حال إنهاء العقد، طرح الأجزاء المتبقية منه بالأسلوب الذي طرحت به الأعمال والمشتريات، وللجهة الحكومية توجيه دعوة لإجراء منافسة محدودة لأصحاب العروض التي كانت تلي العرض الفائز في الترتيب، بحيث يُطلب منهم تقديم عروض جديدة ويجرى تقييمها وفقاً لأحكام النظام.

4- تحدد اللائحة الشروط والإجراءات اللازمة لتطبيق أحكام هذه المادة." 

وضعت النظام الكثير من الضوابط التي تعزز النزاهة و المنافسة وحماية المال العام ومن هنا يمكن القول انه مدخل للنزاعات خصوصا عند عدم التزام الشركات التي تفوز بالمناقصة بالوفاء بالتزاماتها الخاصة بالتوريد بالعجز او عن حدوث ظروف طارئة او استثنائية تمنع من تنفيذ الالتزام او تجعله مرهقا وعند حدوث النزاعات تلجأ الشركات لشرط التحكيم للسرعة التي تتطلبها الاعمال التجارية وهناك الكثير من شركات المحاماة و مراكز التحكيم التي تفصل في تلك النزعات التجارية التي تنشأ عن عقود التوريد وهنا يجب دراسة التحكيم باعتباره الوسيلة المثلى لفض المنازعات التجارية الناشئة عن عقود التوريد لما يميز التحكيم من السرعة في فض المنازعات التجارية.

التحكيم كوسيلة مثلى لفض المنازعات التجارية الناشئة عن عقد التوريد:

التحكّيم لغة: مصدر حكم يحكم –بتشديد الكاف- أي جعله حكما، والحُكْم – بضم الحاء وسكون الكاف- هو القضاء، وجاء بمعنى العلم والفقه والقضاء بالعدل، ومنه قول الله عز وجل: (وآتيناه الحكم صبيا) ، ومنه الحكمة بمعنى وضع الشيء في محله.

و يعد التحكيم من أقدم طرق حل وتسوية المنازعات ، بل سابق عن القضاء المنظم الذي يتولاه قضاء الدولة ، ويعد التحكيم من الامور التي تعارفت عليها المجتمعات البشرية ، ومارستها منذ القرون الأولى لنشاءة الحضارات الإنسانية ، فقد وجدت العديد من صور الحلول الودية الناجزة ، التي كان يلجا إليها المتنازعون للفصل في الخلافات التي تحدث بينهم ، وتؤكد الشواهد أن هذه الوسائل تحظى بتفضيل لدى أطراف النزاع ، وقديماً قال الفيلسوف الإغريقي (ارسطو): "ان التحكيم أفضل من القضاء الرسمي ، لأن المحكم يرى العدالة بينما لا يعتد القاضي إلا بالتشريع" 

وفي العصر الحديث ازدادت الاهتمام بالتحكيم، نتيجة النمو المضطرد للتجارة الدولية والنشاط التجاري بين الدول، كما انشئت منظمات وهيئات دولية ومراكز متخصصة للتحكيم التجاري، وبفضل ذلك تنامت عقود الاستثمار، وحرية انتقال الأشخاص ورؤوس الأموال وعقود نقل التكنولوجيا وعقود التوريد والنقل، والتأمين، والعلاقات المصرفية.

على الرغم من الأهمية الكبيرة التي يحظى بها التحكيم على المستوى الدولي ، إلا أنه لم يحظى بنفس القدر من الاهتمام في دول العالم الثالث والدول العربية بشكل خاص ، ويلاحظ ذلك من خلال تدني عدد الكوادر المؤهلة ( الخبراء ) في مجال التحكيم التجاري الدولي ، وهو ما يشكل حاله سلبية ينبغي الالتفات اليها ، وخاصة إذا ما تم الأخذ في الاعتبار تطور وتشابك العلاقات الاقتصادية الدولية  وتعقدها ، وما ينتج عنها من تنامي للقضايا التجارية والاستثمارية التي تواجه المتعاملين وأصحاب العقود الاستثمارية ، وما يلحق بهم من اضرار نتيجة الافتقار الى الوعي الكافي بأهمية العناية عند صياغة العقود التجارية والاستثمارية ، واختيار نوع القضاء الذي يمكن اللجوء اليه ومكانه في حالة حدوث نزاع عند تنفيذ هذه العقود.

وتجدر الإشارة إلى تعاظم دور أعمال التحكم في الفصل في المنازعات التجارية، وهو دور يتنامى ويلقى قبول لدى أطراف العقود التجارية، ويمثل أحد العوامل المهمة التي تؤكد على استقرار القاعدة القانونية في اي بلد. حيث أصبح من الملاحظ، أن معظم العقود الاستثمارية والتعاملات التجارية تشترط أن يتضمن العقد اللجوء إلى التحكيم التجاري عند حدوث اي نزاع، صيانة للحقوق والحفاظ عليها.

مع العلم أن أعمال التحكيم لا تحل محل المؤسسات القضائية ، إلا أنها تشكل أحد الروافد القضائية التي تعمل تحت اشراف المؤسسات القضائية ، وتمكن أهمية التحكيم التجاري  في المزايا التي يقدمها من حيث ، بساطة الاجراءات ، واختيار المحكمين من ذوي الخبرة والاختصاص في القضية محل النزاع ،  وسرعة وسرية البت في المنازعات ، والمحافظة على استمرار العلاقة بين أطرف النزاع ، فضلاً عن أن بعض القضايا وطبيعتها قد لا تسمح للمتنازعين بعرضها على الجهات القضائية الرسمية، وكل ذلك يشكل قيمة بحسابات التجارة والأنشطة الاقتصادية ، فضلاً عن أن أعمال التحكيم تخلق مناخات إيجابية لدى المتنازعين تحثهم للوصول إلى حلول مرضية لجميع الاطراف ، بعيداً عن الضغوط القضائية ، التي تتطلب اجراءات محددة أقرتها القوانين ، بالإضافة الى  أن التحكيم يعمل على تخفيف الضغط على محاكم الدولة الرسمية.

الخاتمة: تناولنا موضوع المنازعات التجارية الناشئة عن عقود التوريد بدأ بمعرفة مفهوم عقد التوريد لغة واصطلاحا وعرض التعريفات ومعرفة وجه القصور في بعض التعريفات ومعرفة أركان عقد التوريد وأقسام عقد التوريد وصولا الى المنازعات التجارية الناشئة عن عقد التوريد وتطرقنا للتحكيم باعتباره الوسيلة الأمثل لفض المنازعات التجارية الناشئة عن عقد التوريد.


قائمة المراجع: 

1)    القران الكريم.

2)    نظام المنافسات والمشتريات الحكومية لسنة 1427هـ.

3)    معجم مقايس اللغة، ابن فارس أبو الحسن أحمد بن ذكريات، تحقيق وضبط عبد السلام محمد هارون، شركة مصطفى البابي الحلبي، مصر، ط 1، 1410هـ،

4)    الصحاح- تاج اللغة العربية وصحاح العربية، الجوهري-اسماعيل بن حماد - تحقيق – أحمد عبد لغفور عطار- ج 2 – دار القلم بيروت – ط 1 ،1376هـ، 1956م.

5)    عقد التوريد والمناقصة، العثماني-القاضي محمد تقي العثماني، مجلة مجمع الفقه الإسلامي-الدورة الثانية عشرة-ج 2، 1421هـ - 2000م.

6)    الأسس العامة للعقود الإدارية، الطماوي سليمان محمد الطماوي، ط الخامسة ١٩٩١ م، مطبعة جامعة عين شمس، القاهرة.

7)    مناقصات العقود الإدارية، د. رفيق يونس المصري، دار المكتبي، الطبعة الأولى 1420 هـ - 1991م.

8)    عقود المناقصات في الفقه الاسلامي، لأبي هربيد عاطف محمد حسين أبو هربيد، دار النفائس الأردن، الطبعة الأولى، 1426هـ - 2006م.


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.